سورة الأنعام - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}
أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله- وهي قسمة بين الخلق وإرزاقه، وعلم الغيب، وأني من الملائكة الذين هم أشرف جنس خلقه الله تعالى وأفضله وأقربه منزلة منه. أي لم أدّع إلهية ولا ملكية؛ لأنه ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزل الملائكة، حتى تستبعدوا دعواي وتستنكرونها. وإنما أدّعي ما كان مثله لكثير من البشر وهو النبوّة {هَلْ يَسْتَوِى الأعمى والبصير} مثل للضالّ والمهتدي ويجوز أن يكون مثلاً لمن اتبع ما يوحي إليه. ومن لم يتبع. أو لمن ادّعى المستقيم وهو النبوة. والمحال وهو الإلهية أو الملكية {أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} فلا تكونوا ضالين أشباه العميان. أو فتعلموا أني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر. أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إليَّ مما لابد لي منه.
فإن قلت: {أَعْلَمُ الغيب} ما محله من الإعراب؟ قلت: النصب عطفاً على قوله: {عِندِى خَزَائِنُ الله}، لأنه من جملة المقول كأنه قال: لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول.


{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}
{وَأَنذِرْ بِهِ} الضمير راجع إلى قوله: و{وَمَا يُوحِى إِلَىَّ} و{الذين يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ} إمّا قوم داخلون في الإسلام مقرّون بالبعث إلاّ أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما يوحي إليه {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي يدخلون في زمرة المتقين من المسلمين. وأمّا أهل الكتاب لأنهم مقرّون بالبعث. وإمّا ناس من المشركين علم من حالهم أنهم يخافون إذا سمعوا بحديث البعث أن يكون حقاً فيهلكوا، فهم ممن يرجى أن ينجع فيهم الإنذار، دون المتمردّين منهم، فأمر أن ينذر هؤلاء. وقوله: {لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} في موضع الحال من يحشروا، بمعنى يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعاً لهم، ولا بدّ من هذه الحال، لأنّ كلاًّ محشور، فالمخوف إنما هو الحشر على هذه الحال.


{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
ذكر غير المتقين من المسلمين وأمر بإنذارهم ليتقوا، ثم أردفهم ذكر المتقين منهم وأمره بتقريبهم وإكرامهم، وأن لا يطيع فيهم من أراد بهم خلاف ذلك، وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها، والمراد بذكر الغداة والعشي: الدوام.
وقيل معناه: يصلون صلاة الصبح والعصر، ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} والوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته. روي: أن رؤوساً من المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو طردت عنا هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمين، وهم عمار وصهيب وبلال وخباب وسلمان وأضرابهم رضوان الله عليهم- وأرواح جبابهم- وكانت عليهم جباب من صوف جلسنا إليك وحادثناك، فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا، فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت. فقال: نعم، طمعاً في إيمانهم.
وروي: أن عمر رضي الله عنه قال: لو فعلت حتى ننظر إلى ما يصيرون. قال فاكتب بذلك كتاباً، فدعا بصحيفة وبعليّ رضي الله عنه ليكتب. فنزلت. فرمى بالصحيفة، واعتذر عمر من مقالته.
قال سلمان وخباب: فينا نزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا ويدنو منا حتى تمس ركبتنا ركبته. وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزلت: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمّتي. معكم المحيا ومعكم الممات و{مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء} كقوله: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى} [الشعراء: 113] وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم، فقال: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء} بعد شهادته لهم بالإخلاص وبإرادة وجه الله في أعمالهم على معنى: وإن كان الأمر على ما يقولون عند الله، فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر والاتسام بسيمة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدّاك إليهم، كقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الزمر: 7].
فإن قلت: أما كفى قوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء} حتى ضم إليه {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء}؟ قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة، وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنيّ في قوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الزمر: 7] ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعاً، كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه. وقيل: الضمير للمشركين. والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم، حتى يهمك إيمانهم ويحرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين {فَتَطْرُدَهُمْ} جواب النفي {فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} جواب النهي. ويجوز أن يكون عطفاً على {فَتَطْرُدَهُمْ} على وجه التسبيب، لأن كونه ظالماً مسبب عن طردهم. وقرئ: {بالغدوة والعشي}.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15